کد مطلب:90809 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:156
أَمَرَهُ بِتَقْوَی اللَّهِ سُبْحَانَهُ[3] وَ إیثَارِ طَاعَتِهِ، وَ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فی كِتَابِهِ، مِنْ فَرَائِضِهِ وَ سُنَنِهِ الَّتی لاَ یَسْعَدُ أَحَدٌ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا، وَ لاَ یَشْقی إِلاَّ مَعَ جُحُودِهَا وَ إِضَاعَتِهَا، وَ أَنْ یَنْصُرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِیَدِهِ وَ قَلْبِهِ وَ لِسَانِهِ، فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ، وَ إِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ. وَ أَمَرَهُ أَنْ یَكْسِرَ نَفْسَهُ عِنْدَ[4] الشَّهَوَاتِ، وَ یَزَعَهَا[5] عِنْدَ الْجَمَحَاتِ، فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، إِلاَّ مَا رَحِمَ اللَّهُ، وَ أَنْ یَعْتَمِدَ كِتَابَ اللَّهِ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ، فَإِنَّ فیهِ تِبْیَانُ كُلِّ شَیْ ءٍ، وَ هُدیً وَ رَحْمَةً [صفحه 918] لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ، وَ أَنْ یَتَحَرَّی رِضَی اللَّهِ، وَ لاَ یَتَعَرَّضَ لِسَخَطِهِ، وَ لاَ یُصِرَّ عَلی مَعْصِیَتِهِ، فَإِنَّهُ لاَ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَیْهِ[6]. ثُمَّ اعْلَمْ، یَا مَالِكُ، أَنّی قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلی بِلاَدٍ قَدْ جَرَتْ عَلَیْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْلٍ وَ جَوْرٍ، وَ إِنَّ النَّاسَ یَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ مِثْلَ[7] مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فیهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلاَةِ قَبْلَكَ، وَ یَقُولُونَ فیكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فیهِمْ. وَ إِنَّمَا یُسْتَدَلُّ عَلَی الصَّالِحینَ بِمَا یُجْرِی اللَّهُ لَهُمْ عَلی أَلْسُنِ عِبَادِهِ الأَخْیَارِ مِنْ حُسْنِ الأَفْعَالِ وَ جَمیلِ السّیرَةِ[8]. فَلْیَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَیْكَ ذَخیرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بِالْقَصْدِ فیمَا تَجْمَعُ، وَ مَا تَرْعی بِهِ رَعِیَّتَكَ[9]. فَامْلِكْ عَلَیْكَ[10] هَوَاكَ، وَ شُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لاَ یَحِلُّ لَكَ، فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الاِنْصَافُ مِنْهَا فیمَا أَحَبَّتْ وَ كَرِهَتْ. وَ أَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِیَّةِ[11]، وَ الْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَ اللُّطْفَ بِهِمْ[12]، وَ الاِحْسَانَ إِلَیْهِمْ، وَ لاَ تُنِلْهُمْ حَیْفاً[13]، وَ لاَ تَكُونَنَّ عَلَیْهِمْ سَبُعاً ضَارِیاً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِی الدّینِ، وَ إِمَّا نَظیرٌ لَكَ فِی الْخَلْقِ. یَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَ تَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، وَ یُؤْتی عَلی أَیْدیهِمْ فِی الْعَمْدِ وَ الْخَطَأِ. فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَ صَفْحِكَ مِثْلَ الَّذی تُحِبُّ أَنْ یُعْطِیَكَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ[14] مِنْ عَفْوِهِ وَ صَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَ وَالِی الأَمْرِ عَلَیْكَ فَوْقَكَ، وَ اللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ، وَ قَدِ اسْتَكْفَاكَ[15] أَمْرَهُمْ، [صفحه 919] وَ ابْتَلاَكَ بِهِمْ. تَحَرَّ رِضَا اللَّهِ وَ تَجَنَّبْ سَخَطَهُ[16]، وَ لاَ تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ تَعَالی[17]، فَإِنَّهُ لاَ یَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ، وَ لاَ غِنی بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَ رَحْمَتِهِ، وَ لاَ مَلْجَأَ لَكَ مِنْهُ إِلاَّ إِلَیْهِ[18]. وَ لاَ تَنْدَمَنَّ عَلی عَفْوٍ، وَ لاَ تَبْجَحَنَّ[19] بِعُقُوبَةٍ، وَ لاَ تُسْرِعَنَّ إِلی بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً، وَ لاَ تَقُولَنَّ: إِنّی مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْغَالٌ فِی الْقَلْبِ، وَ مَنْهَكَةٌ لِلدّینِ، وَ تَقَرُّبٌ مِنَ الْغِیَرِ. فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ[20]. وَ إِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فیهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخیلَةً، فَانْظُرْ إِلی عِظَمِ[21] مُلْكِ اللَّهِ فَوْقَكَ، وَ قُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلی مَا لاَ تَقْدِرُ عَلَیْهِ مِنْ نَفْسِكَ. وَ تَفَكَّرْ فِی الْمَوْتِ وَ مَا بَعْدَهُ[22]، فَإِنَّ ذَلِكَ یُطَامِنُ إِلَیْكَ مِنْ طِمَاحِكَ، وَ یُلَیِّنُ مِنْ جِمَاحِكَ[23]، وَ یَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ[24]، وَ یَفی ءُ إِلَیْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ. وَ إِیَّاكَ وَ مُسَامَاةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ[25] فی عَظَمَتِهِ، أَوِ التَّشَبُّهَ بِهِ فی جَبَرُوتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ یُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ، وَ یُهینُ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ[26]. أَنْصِفِ اللَّهَ وَ أَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَ مِنْ خَاصَّتِكَ، وَ مِنْ[27] أَهْلِكَ، وَ مَنْ لَكَ فیهِ هَویً مِنْ رَعِیَّتِكَ. فَإِنَّكَ إِنْ لاَ تَفْعَلْ تَظْلِمْ، وَ مَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ[28] خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، [صفحه 920] وَ مَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَ كَانَ للَّهِ حَرْباً حَتَّی یَنْزِعَ وَ یَتُوبَ. وَ لَیْسَ شَیْ ءٌ أَدْعی إِلی تَغْییرِ نِعْمَةِ اللَّهِ، وَ تَعْجیلِ نِقْمَتِهِ، مِنْ إِقَامَةٍ عَلی ظُلْمٍ، فَإِنَّ اللَّهَ سَمیعُ[29] دَعَوْةِ الْمَظْلُومینَ، وَ هُوَ لِلظَّالِمینَ بِالْمِرْصَادِ. وَ لْیَكُنْ أَحَبُّ الأُمُورِ إِلَیْكَ أَوْسَطَهَا[30] فِی الْحَقِّ، وَ أَعَمَّهَا فِی الْعَدْلِ، وَ أَجْمَعَهَا لِطَاعَةِ الرَّبِّ، وَ[31] لِرِضَی الرَّعِیَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ یُجْحِفُ بِرِضَا الْخَاصَّةِ، وَ إِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ یُغْتَفَرُ مَعَ رِضَا الْعَامَّةِ. وَ لَیْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِیَّةِ أَثْقَلَ عَلَی الْوَالی مَؤُونَةً فِی الرَّخَاءِ، وَ أَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِی الْبَلاَءِ، وَ أَكْرَهَ لِلاِنْصَافِ، وَ أَسْأَلَ بِالاِلْحَافِ، وَ أَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الإِعْطَاءِ، وَ أَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ، وَ أَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ، مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ. وَ إِنَّمَا عِمَادُ الدّینِ، وَ جِمَاعُ الْمُسْلِمینَ، وَ الْعُدَّةُ لِلأَعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الأُمَّةِ، فَلْیَكُنْ صَغْوُكَ[32] لَهُمْ، وَ مَیْلُكَ مَعَهُمْ. وَ اعْمَدْ لأَعَمِّ الأُمُورِ مَنْفَعَةً، وَ خَیْرِهَا عَاقِبَةً. وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ[33]. وَ لْیَكُنْ أَبْعَدَ رَعِیَّتِكَ مِنْكَ، وَ أَشْنَأُهُمْ عِنْدَكَ[34]، أَطْلَبُهُمْ لِمَعَایِبِ النَّاسِ، فَإِنَّ فِی النَّاسِ عُیُوباً الْوَالی أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا[35]، فَلاَ تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا، فَإِنَّمَا عَلَیْكَ تَطْهیرُ مَا ظَهَرَ لَكَ، وَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ[36] یَحْكُمُ عَلی مَا غَابَ مِنْهَا عَنْكَ. فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ، مَا اسْتَطَعْتَ، یَسْتُرِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ[37] مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِیَّتِكَ. أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ، وَ اقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ، وَ اقْبَلِ الْعُذْرَ. [صفحه 921] وَ ادْرَإِ الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ[38]. وَ تَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لاَ یَضِحُ لَكَ[39]. وَ لاَ تَعْجَلَنَّ إِلی تَصْدیقِ سَاعٍ، فَإِنَّ السَّاعِیَ ظَالِمٌ لِمَنْ سَعی بِهِ[40]، غَاشُّ لِمَنْ سَعَی إِلَیْهِ[41]، وَ إِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحینَ. وَ لاَ تُدْخِلَنَّ فی مَشُورَتِكَ بَخیلاً یَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ، وَ یَعِدُكَ الْفَقْرَ، وَ لاَ تُشْرِكَنَّ فی رَأْیِكَ[42] جَبَاناً یُضَعِّفُكَ عَنِ الأُمُورِ، وَ لاَ حَریصاً یُزَیِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ، فَإِنَّ الْبُخْلَ وَ الْجُبْنَ وَ الْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّی یَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالی كُمُونُهَا فِی الأَشْرَارِ. وَ اعْلَمْ[43] أَنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزیراً. وَ مَنْ شَرِكَهُمْ فِی الآثَامِ، وَ قَامَ بِأُمُورِهِمْ فی عِبَادِ اللَّهِ[44]، فَلاَ یَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً، تُشْرِكُهُمْ فی دَوْلَتِكَ، كَمَا شَرَكُوا فی سُلْطَانِ غَیْرِكَ، فَأَوْرَدُوهُمْ مَصَارِعَ السُّوءِ. وَ لاَ یُعْجِبَنَّكَ شَاهِدُ مَا یَحْضُرُونَكَ بِهِ[45]، فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الأَثَمَةِ، وَ إِخْوَانُ الظَّلَمَةِ، وَ عُبَابُ كُلِّ طَمَعٍ وَ دَغَلٍ[46]. وَ أَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَیْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَ نَفَاذِهِمْ، وَ لَیْسَ عَلَیْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ[47] وَ أَوْزَارِهِمْ، مِمَّنْ لَمْ یُعَاوِنْ ظَالِماً عَلی ظُلْمِهِ، وَ لاَ آثِماً عَلی إِثْمِهِ، وَ لَمْ یَكُنْ مَعَ غَیْرِكَ لَهُ سیرَةٌ أَجْحَفَتْ بِالْمُسْلِمینَ وَ الْمُعَاهِدینَ[48]. أُولئِكَ أَخَفُّ عَلَیْكَ مَؤُونَةً، وَ أَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً، وَ أَحْنی عَلَیْكَ عَطْفاً، وَ أَقَلُّ لِغَیْرِكَ إِلْفاً، فَاتَّخِذْ [صفحه 922] أُولئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ[49] وَ حَفَلاَتِكَ. ثُمَّ لِیَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ، وَ أَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فیمَا یَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللَّهُ لأَوْلِیَائِهِ، وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَیْثُ وَقَعَ، فَإِنَّهُمْ یَقِفُونَكَ عَلَی الْحَقِّ، وَ یُبَصِّرُونَكَ مَا یَعُودُ عَلَیْكَ نَفْعُهُ[50]. وَ الْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَ الصِّدْقِ، ثُمَّ رُضْهُمْ عَلی أَنْ لاَ یُطْرُوكَ وَ لاَ یُبَجِّحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الاِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ، وَ تُدْنی مِنَ الْعِزَّةِ[51]، وَ الرِّضَا بِذَلِكَ یُوجِبُ الْمَقْتَ مِنَ اللَّهِ. وَ إِنَّ أَكْثَرَ الْقَوْلِ أَنْ یُشْرَكَ فیهِ الْكَذِبُ تَزْكِیَةُ السُّلْطَانِ، لأَنَّهُ لاَ یُقْتَصَرُ فیهِ عَلی حُدُودِ الْحَقِّ دُونَ التَّجَاوُزِ إِلَی الاِفْرَاطِ[52]. وَ لاَ یَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَ الْمُسی ءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ، فَإِنَّ فی ذَلِكَ تَزْهیداً لأَهْلِ الاِحْسَانِ فِی الاِحْسَانِ، وَ تَدْریباً لأَهْلِ الاِسَاءَةِ عَلَی الاِسَاءَةِ. وَ أَلْزِمْ كُلاً مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ أَدَباً مِنْكَ، یَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ، وَ یَنْتَفِعُ بِهِ أَعْوَانُكَ[53]. وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَیْسَ شَیْ ءٌ بِأَدْعی إِلی حُسْنِ ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِیَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَیْهِمْ، وَ تَخْفیفِهِ الْمَؤُونَاتِ عَلَیْهِمْ، وَ تَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِیَّاهُمْ عَلی مَا لَیْسَ لَهُ قِبَلَهُمْ، فَلْیَكُنْ مِنْكَ فی ذَلِكَ أَمْرٌ یَجْتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِیَّتِكَ، فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِهِمْ[54] یَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَویلاً. وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْخَیْرِ[55]. وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ. فَاعْرِفْ هذِهِ الْمَنْزِلَةَ لَكَ وَ عَلَیْكَ، لِتَزِدْكَ بَصیرَةً فی حُسْنِ الصُّنْعِ، وَ اسْتِكْثَارِ حُسْنِ الْبَلاَءِ [صفحه 923] عِنْدَ الْعَامَّةِ، مَعَ مَا یُوجِبُ اللَّهُ بِهَا لَكَ فِی الْمَعَادِ[56]. وَ لاَ تَنْقُضَنَّ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هذِهِ الأُمَّةِ، وَ اجْتَمَعَتْ بِهَا الأُلْفَةُ، وَ صَلَحَتْ عَلَیْهَا الرَّعِیَّةُ. وَ لاَ تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَیْ ءٍ مِنْ مَاضی تِلْكَ السُّنَنِ، فَیَكُونَ الأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا، وَ الْوِزْرُ عَلَیْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا. وَ أَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ، وَ مُنَاقَشَةَ[57] الْحُكَمَاءِ، فی تَثْبیتِ مَا صَلَحَ عَلَیْهِ أَمْرُ بِلاَدِكَ، وَ إِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ یُحِقُّ الْحَقَّ وَ یَدْفَعُ الْبَاطِلَ، وَ یُكْتَفی بِهِ دَلیلاً وَ مِثَالاً. لأَنَّ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ هِیَ السَّبیلُ إِلی طَاعَةِ اللَّهِ[58]. وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّعِیَّةَ[59] طَبَقَاتٌ لاَ یَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ، وَ لاَ غِنی بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ. فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ. وَ مِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَ الْخَاصَّةِ، وَ مِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَ مِنْهَا عُمَّالُ الاِنْصَافِ وَ الرِّفْقِ. وَ مِنْهَا أَهْلُ الْجِزْیَةِ وَ الْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَ مُسْلِمَةِ النَّاسِ. وَ مِنْهَا التُّجَّارُ وَ أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ. وَ مِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلی مِنْ ذَوِی الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ. وَ كُلٌّ قَدْ سَمَّی اللَّهُ سَهْمَهُ، وَ وَضَعَ عَلی حَدِّهِ فَریضَتَهُ، فی كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً. فَالْجُنُودُ، بِإِذْنِ اللَّهِ، حُصُونُ الرَّعِیَّةِ، وَ زَیْنُ الْوُلاَةِ، وَ عِزُّ الدّینِ، وَ سُبُلُ الأَمْنِ وَ الْخَفْضِ[60]، وَ لَیْسَ یَقُومُ الرَّعِیَّةُ إِلاَّ بِهِمْ. [صفحه 924] ثُمَّ لاَ قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلاَّ بِمَا یُخْرِجُ اللَّهُ تَعَالی لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ الَّذی یَقْوَوْنَ بِهِ عَلی[61] جِهَادِ عَدُوِّهِمْ، وَ یَعْتَمِدُونَ عَلَیْهِ فیمَا یُصْلِحُهُمْ، وَ یَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ. ثُمَّ لاَ قِوَامَ لِهذَیْنِ الصِّنْفَیْنِ إِلاَّ بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ وَ الْعُمَّالِ وَ الْكُتَّابِ، لِمَا یُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ، وَ یَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَ یُظْهِرُونَ مِنَ الاِنْصَافِ[62]، وَ یُؤْتَمَنُونَ عَلَیْهِ مِنْ خَوَاصِّ الأُمُورِ وَ عَوَامِّهَا. وَ لاَ قِوَامَ لَهُمْ جَمیعاً إِلاَّ بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِی الصِّنَاعَاتِ، فیمَا یَجْتَمِعُونَ عَلَیْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ، وَ یُقیمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ، وَ یَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَیْدیهِمْ، مِمَّا لاَ یَبْلُغُهُ رِفْقُ غَیْرِهِمْ. ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلی مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ الَّذینَ یَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَ مَعُونَتُهُمْ، وَ فی فَیْ ءِ[63] اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ[64] لِكُلٍّ سَعَةٌ، وَ لِكُلٍّ عَلَی الْوَالی حَقٌّ بِقَدْرِ مَا یُصْلِحُهُ. وَ لَیْسَ یَخْرُجُ الْوَالی مِنْ حَقیقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالی مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ بِالاِهْتِمَامِ وَ الاِسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ، وَ تَوْطینِ نَفْسِهِ عَلی لُزُومِ الْحَقِّ وَ الصَّبْرِ عَلَیْهِ فیمَا خَفَّ عَلَیْهِ أَوْ ثَقُلَ. فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فی نَفْسِكَ للَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لإِمَامِكَ، وَ أَنْقَاهُمْ جَیْباً، وَ أَفْضَلَهُمْ حِلْماً، وَ أَجْمَعَهُمْ عِلْماً وَ سِیَاسَةً[65]، مِمَّنْ یُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ، وَ یَسْتَریحُ إِلَی الْعُذْرِ، وَ یَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ، وَ یَنْبُو عَلَی الأَقْوِیَاءِ، وَ مِمَّنْ لاَ یُثیرُهُ الْعُنْفُ، وَ لاَ یَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ. ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِی الأَحْسَابِ وَ أَهْلِ الْبُیُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَ السَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ، ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَ الشَّجَاعَةِ، وَ السَّخَاءِ وَ السَّمَاحَةِ، فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ، وَ شُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ، یَهْدُونَ إِلی حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ وَ الإیمَانِ بِقَدَرِهِ[66]. ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا یَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا. وَ لاَ یَتَفَاقَمَنَّ فی نَفْسِكَ شَیْ ءٌ قَوَّیْتَهُمْ بِهِ، وَ لاَ تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَ إِنْ قَلَّ، فَإِنَّهُ دَاعِیَةٌ لَهُمْ إِلی بَذْلِ النَّصیحَةِ لَكَ، وَ حُسْنِ الظَّنِّ بِكَ. [صفحه 925] وَ لاَ تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطیفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالاً عَلی جَسیمِهَا، فَإِنَّ لِلْیَسیرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً یَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَ لِلْجَسیمِ مَوْقِعاً لاَ یَسْتَغْنُونَ عَنْهُ. وَ لْیَكُنْ آثَرُ رُؤُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فی مَعُونَتِهِ، وَ أَفْضَلَ عَلَیْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ وَ بَذْلِهِ[67]، بِمَا یَسَعُهُمْ وَ یَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلیهِمْ، حَتَّی یَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فی جِهَادِ الْعَدُوِّ، وَ تَنْقَطِعَ هُمُومُهُمْ مِمَّا سِوی ذَلِكَ. ثُمَّ وَاتِرْ إِعْلاَمَهُمْ ذَاتَ نَفْسِكَ فی إِیثَارِهِمْ، وَ التَّكْرِمَةِ لَهُمْ، وَ الاِرْصَادِ بِالتَّوْسِعَةِ، وَ حَقِّقْ ذَلِكَ بِحُسْنِ الْفِعَالِ وَ الأَثَرِ وَ الْعَطْفِ[68]، فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَیْهِمْ یَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَیْكَ. وَ إِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَیْنِ الْوُلاَةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِی الْبِلاَدِ، وَ ظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِیَّةِ. وَ إِنَّهُ لاَ تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلاَّ بِسَلاَمَةِ صُدُورِهِمْ، وَ لاَ تَصِحُّ نَصیحَتُهُمْ إِلاَّ بِحیطَتِهِمْ عَلی وُلاَةِ أُمُورِهِمْ، وَ قِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ، وَ تَرْكِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ. ثُمَّ لاَ تَكِلَنَّ جُنُودَكَ إِلی مَغْنَمٍ وَزَّعْتَهُ بَیْنَهُمْ، بَلْ أَحْدِثْ لَهُمْ مَعَ كُلِّ مَغْنَمٍ بَدَلاً مِمَّا سِوَاهُ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ، تَسْتَنْصِرُ بِهِ، وَ یَكُونُ دَاعِیَةً لَهُمْ إِلَی الْعَوْدَةِ لِنَصْرِ اللَّهِ وَ دینِهِ. وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. وَ اخْصُصْ أَهْلَ الشَّجَاعَةِ وَ النَّجْدَةِ بِكُلِّ عَارِفَةٍ[69]، فَافْسَحْ فی آمَالِهِمْ إِلی مُنْتَهی غَایَةِ آمَالِكَ مِنَ النَّصیحَةِ بِالْبَذْلِ[70]. وَ وَاصِلْ فی حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَیْهِمْ، وَ لَطیفِ التَّعَهُّدِ لَهُمْ رَجُلاً رَجُلاً[71]، وَ تَعْدیدِ مَا أَبْلی ذَوُو الْبَلاَءِ مِنْهُمْ فی كُلِّ مَشْهَدٍ[72]، فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ مِنْكَ[73] لِحُسْنِ فِعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ، وَ تُحَرِّضُ النَّاكِلَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالی. ثُمَّ لاَ تَدَعْ أَنْ یَكُونَ لَكَ عَلَیْهِمْ عُیُونٌ مِنْ أَهْلِ الأَمَانَةِ وَ الْقَوْلِ بِالْحَقِّ عِنْدَ النَّاسِ، فَیُثْبِتُونَ بَلاَءَ كُلِّ ذی بَلاَءٍ مِنْهُمْ، لِیَثِقَ أُولئِكَ بِعِلْمِكَ بِبَلاَئِهِمْ حَتَّی كَأَنَّكَ شَهِدْتَهُ[74]. [صفحه 926] ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلی، وَ لاَ تَضُمَّنَّ[75] بَلاَءَ امْرِئٍ إِلی غَیْرِهِ، وَ لاَ تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَایَةِ بَلاَئِهِ، وَ كَافِ كُلاً مِنْهُمْ بِقَدَرِ مَا كَانَ مِنْهُ، وَ اخْصُصْهُ بِكِتَابٍ مِنْكَ تَهَزُّهُ بِهِ، وَ تُنْبِئُهُ بِمَا بَلَغَكَ عَنْهُ[76]. وَ لاَ یَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئٍ إِلی أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ صَغیراً، وَ لاَ ضَعَةُ امْرِئٍ إِلی أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ عَظیماً. وَ لاَ یُفْسِدَنَّ امْرئً عِنْدَكَ عِلَّةٌ إِنْ عَرَضَتْ لَهُ، وَ لاَ نَبْوَةَ حَدیثٍ لَهُ قَدْ كَانَ لَهُ قَبْلَهَا حُسْنُ بَلاَءٍ، فَإِنَّ الْعَزَّةَ للَّهِ یُؤْتیهِ مَنْ یَشَاءُ وَ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقینَ. وَ إِنِ اسْتُشْهِدَ أَحَدٌ مِنْ جُنُودِكَ، وَ أَهْلِ النِّكَایَةِ فی عَدُوِّكَ، فَاخْلُفْهُ فی عِیَالِهِ بِمَا یَخْلُفُ بِهِ الْوَصِیُّ الشَّفیقُ الْمَوْثُوقُ بِهِ، مِنَ اللُّطْفِ بِهِمْ، وَ حُسْنِ الْوِلاَیَةِ لَهُمْ، حَتَّی لاَ یُری عَلَیْهِمْ أَثَرُ فَقْدِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ یَعْطِفُ عَلَیْكَ قُلُوبَ فُرْسَانِكَ، وَ یَزْدَادُونَ بِهِ تَعْظیماً لِطَاعَتِكَ، وَ یَسْلِسُونَ لِرُكُوبِ مَعَاریضِ التَّلَفِ الشَّدیدِ فی وِلاَیَتِكَ. وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ[77]. وَ ارْدُدْ إِلَی اللَّهِ وَ رَسُولِهِ مَا یُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ، وَ یَشْتَبِهُ عَلَیْكَ مِنَ الأُمُورِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالی لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ: یَا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا أَطیعُوا اللَّهَ وَ أَطیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فی شَیْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللَّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَیْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْویلاً[78]. وَ قَالَ تَعَالی: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَی الرَّسُولِ وَ إِلی أُولِی الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَ لَوْ لاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَیْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّیْطَانَ إِلاَّ قَلیلاً[79]. فَالرَّدُّ إِلَی اللَّهِ الأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ، وَ الرَّدُّ إِلَی الرَّسُولِ الأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَیْرِ الْمُفَرِّقَةِ. وَ نَحْنُ أَهُلُ رَسُولِ اللَّهِ الَّذینَ نَسْتَنْبِطُ الْمُحْكَمَ مِنْ كِتَابِهِ، وَ نُمَیِّزُ الْمُتَشَابِهَ مِنْهُ، وَ نَعْرِفُ النَّاسِخَ مِمَّا نَسَخَ اللَّهُ وَ وَضَعَ إِصْرَهُ. [صفحه 927] ثُمَّ انْظُرْ فی أَمْرِ الأَحْكَامِ بَیْنَ النَّاسِ بِنِیَّةٍ صَالِحَةٍ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فی إِنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ، وَ الأَخْذِ لِلضَّعیفِ مِنَ الْقَوِیِّ، وَ إِقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ عَلی سُنَّتِهَا وَ مِنْهَاجِهَا، مِمَّا یُصْلِحُ عِبَادَ اللَّهِ وَ بِلاَدَهُ. فَ[80] اخْتَرْ لِلْحُكْمِ[81] بَیْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِیَّتِكَ فی نَفْسِكَ وَ أَنْفُسِهِمْ لِلْعِلْمِ وَ الْحِلْمِ وَ الْوَرَعِ وَ السَّخَاءِ[82]، مِمَّنْ لاَ تَضیقُ بِهِ الأُمُورُ، وَ لاَ یُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ، وَ لاَ یَتَمَادی فی إِثْبَاتِ[83] الزَّلَّةِ، وَ لاَ یَحْصَرُ مِنَ الْفَیْ ءِ إِلَی الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ، وَ لاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلی طَمَعٍ، وَ لاَ یَدْخُلُهُ إِعْجَابٌ[84]، وَ لاَ یَكْتَفی بِأَدْنی فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ، أَوْقَفَهُمْ فِی الشُّبُهَاتِ، وَ آخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وَ أَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ، وَ أَصْبَرَهُمْ عَلی تَكْشیفِ الأُمُورِ، وَ أَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ، مِمَّنْ لاَ یَزْدَهیهِ إِطْرَاءٌ، وَ لاَ یَسْتَمیلُهُ إِغْرَاءٌ، وَ لاَ یُصْغی لِلتَّبْلیغِ بِأَنْ یُقَالَ: قَالَ فُلاَنٌ، وَ قَالَ فُلاَنٌ. فَوَلِّ قَضَاءَكَ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ[85]، وَ أُولئِكَ قَلیلٌ. ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ أَمْرِهِ وَ[86] قَضَائِهِ، وَ افْسَحْ لَهُ فِی الْبَذْلِ، مَا یُزیلُ[87] عِلَّتَهُ، وَ تَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَی النَّاسِ، وَ أَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَیْكَ مَا لاَ یَطْمَعُ فیهِ غَیْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ، لِیَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِیَالَ[88] الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ، فَلاَ یُحَابی أَحَداً لِلرَّجَاءِ، وَ لاَ یُصَانِعُهُ لاسْتِجْلاَبِ حُسْنِ الثَّنَاءِ. وَ أَحْسِنْ تَوْقیرَهُ فی صُحْبَتِكَ، وَ قَرِّبْهُ فی مَجْلِسِكَ، وَ أَمْضِ قَضَاءَهُ، وَ أَنْفِذْ حُكْمَهُ، وَ اشْدُدْ عَضُدَهُ. وَ اجْعَلْ أَعْوَانَهُ خِیَارَ مَنْ تَرْضی مِنْ نُظَرَائِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَ أَهْلِ الْوَرَعِ وَ النَّصیحَةِ للَّهِ وَ لِعِبَادِ اللَّهِ، لِیُنَاظِرَهُمْ فیمَا شُبِّهِ عَلَیْهِ، وَ یَلْطُفَ عَلَیْهِمْ لِعِلْمِ مَا غَابَ عَنْهُ، وَ یَكُونُونَ شُهَدَاءَ عَلی قَضَائِهِ بَیْنَ [صفحه 928] النَّاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَ اخْتَرْ لأَطْرَافِكَ قُضَاةً تَجْتَهِدُ فیهِمْ نَفْسَكَ، لاَ یَخْتَلِفُونَ وَ لاَ یَتَدَابَرُونَ فی حُكْمِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، فَإِنَّ الاِخْتِلاَفَ فِی الْحُكْمِ إِضَاعَةٌ لِلْعَدْلِ، وَ غِرَّةٌ[89] فِی الدّینِ، وَ سَبَبٌ لِلْفُرْقَةِ. وَ قَدْ بَیَّنَ اللَّهُ مَا یَأْتُونَ وَ مَا یُنْفِقُونَ، وَ أَمَرَ بِرَدِّ مَا لاَ یَعْلَمُونَ إِلی مَنِ اسْتَوْدَعَهُ اللَّهُ عِلْمَ كِتَابِهِ، وَ اسْتَحْفَظَهُ الْحُكْمَ فیهِ. فَإِنَّمَا اخْتِلاَفُ الْقُضَاةِ فی دُخُولِ الْبَغْی بَیْنَهُمْ، وَ اكْتِفَاءِ كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ بِرَأْیِهِ دُونَ مَنْ فَرَضَ اللَّهُ وِلاَیَتَهُ، وَ لَیْسَ یَصْلُحُ الدّینُ وَ لاَ أَهْلُ الدّینِ عَلی ذَلِكَ. وَ لكِنْ عَلَی الْحَاكِمِ أَنْ یَحْكُمَ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الأَثَرِ وَ السُّنَّةِ، فَإِذَا أَعْیَاهُ ذَلِكَ رَدَّهُ إِلی أَهْلِهِ، فَإِنْ غَابَ أَهْلُهُ عَنْهُ نَاظَرَ غَیْرَهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمینَ. لَیْسَ لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ إِلی غَیْرِهِ. وَ لَیْسَ لِقَاضِیَیْنِ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ أَنْ یُقیمَا عَلَی اخْتِلاَفٍ فِی الْحُكْمِ دُونَمَا رَفْعِ ذَلِكَ إِلی وَلِیِّ الأَمْرِ فیهَا، فَیَكُونُ هُوَ الْحَاكِمُ بِمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ یَجْتَمِعَانِ عَلی حُكْمِهِمَا فیمَا وَافَقَهُمَا أَوْ خَالَفَهُمَا[90]. فَانْظُرْ فی ذَلِكَ نَظَراً بَلیغاً، فَإِنَّ هذَا الدّینَ قَدْ كَانَ أَسیراً فی أَیْدِی الأَشْرَارِ، یُعْمَلُ فیهِ بِالْهَوی، وَ تُطْلَبُ بِهِ الدُّنْیَا. وَ اكْتُبْ إِلی قُضَاةِ بُلْدَانِكَ فَلْیَرْفَعُوا إِلَیْكَ كُلَّ حُكْمٍ اخْتَلَفُوا فیهِ عَلی حُقُوقِهِ. ثُمَّ تَصَفَّحْ تِلْكَ الأَحْكَامَ، فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ، وَ سُنَّةَ نَبِیِّهِ، وَ الأَثَرَ مِنْ إِمَامِكَ، فَامْضِهِ وَ احْمِلْهُمْ عَلَیْهِ، وَ مَا اشْتَبَهَ عَلَیْكَ فَاجْمَعْ لَهُ الْفُقَهَاءَ بِحَضْرَتِكَ، فَنَاظِرْهُمْ فیهِ، ثُمَّ أَمْضِ مَا یَجْتَمِعُ عَلَیْهِ أَقَاویلُ الْفُقَهَاءِ بَحَضْرَتِكَ مِنَ الْمُسْلِمینَ، فَإِنَّ كُلَّ حُكْمٍ اخْتَلَفَ فیهِ الرَّعِیَّةُ مَرْدُودٌ إِلَی الإِمَامِ، وَ عَلَی الإِمَامِ الاِسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ، وَ الاِجْتِهَادُ فی إِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَ جَبْرُ الرَّعِیَّةِ عَلی أَمْرِهِ. وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ[91]. ثُمَّ انْظُرْ فی أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً، وَ لاَ تُوَلِّهِمْ أُمُورَكَ[92] مُحَابَاةً وَ أَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَ الْخِیَانَةِ للَّهِ، وَ إِدْخَالُ الضَّرَرِ عَلَی النَّاسِ. وَ لَیْسَتْ تَصْلُحُ الأُمُورُ بِالاِدْغَالِ. [صفحه 929] فَاصْطَفِ لِوِلاَیَةِ أَعْمَالِكَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَ الْوَرَعِ وَ الْعِلْمِ وَ السِّیَاسَةِ[93]، وَ تَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ[94] وَ الْحَیَاءِ، مِنْ أَهْلِ الْبُیُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَ الْقَدَمِ فِی الإِسْلاَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاَقاً، وَ أَصَحُّ أَعْرَاضاً، وَ أَقَلُّ فِی الْمَطَامِعِ إِشْرَافاً[95]، وَ أَبْلَغُ فی عَوَاقِبِ الأُمُورِ نَظَراً. فَلْیَكُونُوا أَعْوَانَكَ عَلی مَا تَقَلَّدْتَ، وَ لاَ تَسْتَعْمِلْ إِلاَّ شیعَتَكَ مِنْهُمْ[96]. ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَیْهِمْ فِی الْعِمَالاَتِ[97]، وَ وَسِّعْ عَلَیْهِمْ فِی[98] الأَرْزَاقِ، فَإِنَّ فی[99] ذَلِكَ قُوَّةً لَهُمْ عَلَی اسْتِصْلاَحِ أَنْفُسِهِمْ، وَ غِنیً لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَیْدیهِمْ، وَ هُوَ، مَعَ ذَلِكَ[100]، حُجَّةٌ لَكَ عَلَیْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ. ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ، وَ ابْعَثِ الْعُیُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَ الْوَفَاءِ عَلَیْهِمْ، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِی السِّرِّ لأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَی اسْتِعْمَالِ الأَمَانَةِ، وَ الرِّفْقِ بِالرَّعِیَّةِ. وَ احْذَرْ أَنْ تَسْتَعْمِلَ أَهْلَ التَّكَبُّرِ وَ التَّجَبُّرِ وَ النَّخْوَةِ، وَ مَنْ یُحِبُّ الاِطْرَاءَ وَ الثَّنَاءَ وَ الذِّكْرَ وَ یَطْلُبُ شَرَفَ الدُّنْیَا، وَ لاَ شَرَفَ إِلاَّ بِالتَّقْوی[101]. وَ تَحَفَّظْ مِنَ الأَعْوَانِ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ یَدَهُ إِلی خِیَانَةٍ، أَوْ رَكِبَ فُجُوراً[102] اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَیْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُیُونِكَ مَعَ سُوءِ ثَنَاءِ رَعِیَّتِكَ[103] اكْتَفَیْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً عَلَیْهِ[104]، فَبَسَطْتَ عَلَیْهِ الْعُقُوبَةَ فی بَدَنِهِ، وَ أَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ، ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ، وَ وَسَمْتَهُ بِالْخِیَانَةِ، وَ قَلَّدْتَهُ [صفحه 930] عَارَ التُّهْمَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ یَكُونُ تَنْكیلاً وَعِظَةً لِغَیْرِهِ. إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالی[105]. وَ تَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا یُصْلِحُ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فی صَلاَحِهِ وَ صَلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ، وَ لاَ صَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ، لأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِیَالٌ عَلَی الْخَرَاجِ وَ أَهْلِهِ. وَ لْیَكُنْ نَظَرُكَ فی عِمَارَةِ الأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِی اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لأَنَّ ذَلِكَ لاَ یُدْرَكُ إِلاَّ بِالْعِمَارَةِ. وَ مَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَیْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَ أَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَ لَمْ یَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلیلاً. فَاجْمَعْ إِلَیْكَ أَهْلَ الْخَرَاجِ مِنْ كُلِّ بُلْدَانِكَ، وَ مُرْهُمْ فَلْیُعْلِمُوكَ حَالَ بِلاَدِهِمْ، وَ مَا فیهِ صَلاَحُهُمْ وَ رَخَاءُ جِبَایَتِهِمْ، ثُمَّ سَلْ عَمَّا یَرْفَعُ إِلَیْكَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ مِنْ غَیْرِهِمْ[106]. فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلاً فِی الْخَرَاجِ أَوْ عِلَّةً، أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ، أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ یَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ. وَ إِنْ سَأَلُوا مَعُونَةً عَلی إِصْلاَحِ مَا یَقْدِرُونَ عَلَیْهِ بِأَمْوَالِهِمْ، فَاكْفِهِمْ مَؤُونَتَهُ، فَإِنَّ فی عَاقِبَةِ كِفَایَتِكَ إِیَّاهُمْ صَلاَحاً. إِنْ شَاءَ اللَّهُ[107]. وَ لاَ یَثْقُلَنَّ عَلَیْكَ شَیْ ءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَؤُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ یَعُودُونَ بِهِ عَلَیْكَ فی عِمَارَةِ بِلاَدِكَ، وَ تَزْیینِ وِلاَیَتِكَ، مَعَ اقْتِنَائِكَ مَوَدَّتَهُمْ، وَ[108] اسْتِجْلاَبِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ[109]، وَ تَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ[110] الْعَدْلِ وَ الْخَیْرِ[111] فیهِمْ، وَ مَا یُسَهِّلُ اللَّهُ بِهِ مِنْ جَلْبِهِمْ، فَإِنَّ الْخَرَاجَ لاَ یُسْتَخْرَجُ بِالْكَدِّ وَ الاِتْعَابِ، مَعَ أَنَّهَا عَقْدٌ تَعْتَمِدُ عَلَیْهَا إِنْ حَدَثَ حَدَثٌ كُنْتَ عَلَیْهِمْ[112] مُعْتَمِداً أَفْضَلَ[113] قُوَّتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ، وَ الثِّقَةَ مِنْهُمْ، بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنَ عَدْلِكَ عَلَیْهِمْ، وَ رِفْقِكَ بِهِمْ. [صفحه 931] فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فیهِ عَلَیْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَیِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ. فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ، وَ إِنَّمَا یُؤْتی خَرَابُ الأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا. وَ إِنَّمَا یُعْوِزُ أَهْلُهَا لإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلاَةِ عَلَی الْجَمْعِ، وَ سُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ، وَ قِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ. فَمَا الْوَالی إِلاَّ عَلی إِحْدی مَنْزِلَتَیْنِ: إِمَّا أَنْ یَبْقی إِلی قَابِلٍ، فَهُوَ إِلی مَا عَمِلَ بِهِ مِنْ إِصْلاَحٍ وَ إِحْسَانٍ إِلی رَعِیَّتِهِ أَحْوَجُ، وَ الثَّنَاءُ عَلَیْهِ أَحْسَنُ وَ الدُّعَاءُ أَكْثَرُ، وَ الثَّوَابُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ. وَ إِنْ جَمَعَ لِغَیْرِهِ فِی الْخَزَائِنِ مَا أَخْرَبَ بِهِ الْبِلاَدَ، وَ أَهْلَكَ بِهِ الرَّعِیَّةَ، صَارَ مُرْتَهَناً لِغَیْرِهِ، وَ الاِثْمُ فیهِ عَلَیْهِ. وَ لَیْسَ یَبْقی مِنْ أُمُورِ الْوُلاَةِ إِلاَّ ذِكْرُهُمْ، حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ قَبیحَةً، وَ أَمَّا الأَمْوَالُ فَلاَ بُدَّ أَنْ یُؤْتی عَلَیْهَا، فَیَكُونُ نَفْعُهَا لِغَیْرِهِ، أَوْ لِنَائِبَةٍ مِنْ نَوَائِبِ الدَّهْرِ تَأْتی عَلَیْهَا فَتَكُونَ حَسْرَةً عَلی أَهْلِهَا. وَ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَعْرِفَ عَوَاقِبَ الاِحْسَانِ وَ الاِسَاءَةِ، وَ ضَیَاعَ الْعُقُولِ بَیْنَ ذَلِكَ، فَانْظُرْ فی أُمُورِ مَنْ مَضی مِنْ صَالِحِی الْوُلاَةِ وَ شِرَارِهِمْ، فَهَلْ تَجِدُ مِنْهُمْ أَحَداً مِمَّنْ حَسُنَتْ فِی النَّاسِ سیرَتُهُ، وَ خَفَّتْ عَلَیْهِمْ مَؤُونَتُهُ، وَ سَخَتْ بِإِعْطَاءِ الْحَقِّ نَفْسُهُ، أَضَرَّ بِه ذَلِكَ فی شِدَّةِ مُلْكِهِ، أَوْ فی لَذَّاتِ بَدَنِهِ، أَوْ فی حُسْنِ ذِكْرِهِ فِی النَّاسِ؟. أَوْ هَلْ تَجِدُ أَحَداً مِمَّنْ سَاءَتْ فِی النَّاسِ سیرَتُهُ، وَ اشْتَدَّتْ عَلَیْهِمْ مَؤْونَتُهُ، كَانَ لَهُ بِذَلِكَ مِنَ الْعِزِّ فی مُلْكِهِ مِثْلُ مَا دَخَلَ عَلَیْهِ مِنَ النَّقْصِ بِهِ فی دُنْیَاهُ وَ آخِرَتِهِ؟. فَلاَ تَنْظُرْ إِلی مَا تَجْمَعُ مِنَ الأَمْوَالِ، وَ لَكِنِ انْظُرْ إِلی مَا تَجْمَعُ مِنَ الْخَیْرَاتِ وَ تَعْمَلُ مِنَ الْحَسَنَاتِ، فَإِنَّ الْمُحْسِنَ مُعَانٌ، وَ اللَّهُ وَلِیُّ التَّوْفیقِ وَ الْهَادی إِلَی الصَّوَابِ[114]. ثُمَّ انْظُرْ فی حَالِ كُتَّابِكَ، فَاعْرِفْ حَالَ كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ فیمَا یَحْتَاجُ إِلَیْهِ، فَإِنَّ لِلْكُتَّابِ مَنَازِلَ، وَ لِكُلِّ مَنْزِلَةٍ مِنْهَا حَقٌّ مِنَ الأَدَبِ لاَ تَحْتَمِلُ غَیْرَهُ[115]. فَوَلِّ عَلی أُمُورِكَ خَیْرَهُمْ. وَ اخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتی تُدْخِلُ فیهَا مَكَائِدَكَ وَ أسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُودِ[116] صَالِحِ الأَخْلاَقِ، [صفحه 932] مِمَّنْ یَصْلُحُ لِلْمُنَاظَرَةِ فی جَلاَئِلِ الأُمُورِ، وَ مِنْ ذَوِی الرَّأْیِ وَ النَّصیحَةِ وَ الذِّهْنِ، وَ أَطْوَاهُمْ عَنْكَ لِمَكْنُونِ الأَسْرَارِ، مِمَّنْ[117] لاَ تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ، وَ لاَ یَزْدَهیهِ الاِلْطَافُ، وَ لاَ تَمْحَقُ بِهِ الدَّالَّةُ[118]، فَیَجْتَرِئَ بِهَا عَلَیْكَ فی خِلاَفٍ لَكَ بِحَضْرَةِ مَلأٍ[119]، وَ لاَ تُقَصِّرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إیرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمَّالِكَ[120] عَلَیْكَ، وَ إِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَی الصَّوَابِ عَنْكَ، وَ فیمَا یَأْخُذُ لَكَ وَ یُعْطی مِنْكَ، وَ لاَ یُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ، وَ لاَ یَعْجِزُ عَنْ إِطْلاَقِ مَا عُقِدَ عَلَیْكَ، وَ لاَ یَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِی الأُمُورِ، فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ یَكُونُ بِقَدْرِ غَیْرِهِ أَجْهَلُ. وَ وَلِّ مَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابَةِ رَسَائِلِكَ، وَ جَمَاعَاتِ كُتُبِ خَرَاجِكَ، وَ دَوَاوینِ جُنُودِكَ، قَوْماً تَجْتَهِدُ نَفْسَكَ فِی اخْتِیَارِهِمْ، فَإِنَّهَا رُؤُوسُ أَمْرِكَ، وَ أَجْمَعُهَا لِنَفْعِكَ، وَ أَعَمُّهَا لِنَفْعِ رَعِیَّتِكَ[121]. ثُمَّ لاَ یَكُنِ اخْتِیَارُكَ إِیَّاهُمْ عَلی فِرَاسَتِكَ، وَ اسْتِنَامَتِكَ، وَ حُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ بِهِمْ[122]، فَإِنَّ الرِّجَالَ یَتَعَرَّضُونَ[123] لِفِرَاسَاتِ الْوُلاَةِ بَتَصَنُّعِهِمْ وَ حُسْنِ خِدْمَتِهِمْ، وَ لَیْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصیحَةِ وَ الأَمَانَةِ شَیْ ءٌ. وَ لكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحینَ قَبْلَكَ، فَاعْمِدْ لأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِی الْعَامَّةِ أَثَراً، وَ أَعْرَفِهِمْ فیهَا بِالنُّبْلِ وَ[124] الأَمَانَةِ وَجْهاً، فَإِنَّ ذَلِكَ دَلیلٌ عَلی نَصیحَتِكَ للَّهِ وَ لِمَنْ وُلّیتَ أَمْرَهُ، ثُمَّ مُرْهُمْ بِحُسْنِ الْوِلاَیَةِ، وَ لینِ الْكَلِمَةِ[125]. وَ اجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ، لاَ یَقْهَرُهُ كَبیرُهَا، وَ لاَ یَتَشَتَّتُ عَلَیْهِ كَثیرُهَا. ثُمَّ تَفَقَّدْ مَا غَابَ عَنْكَ مِنْ حَالاَتِهِمْ، وَ أُمُورِ مَنْ یَرِدُ عَلَیْكَ رَسَائِلُهُ، وَ ذَوِی الْحَاجَةِ، وَ كَیْفَ [صفحه 933] وِلاَیَتُهُمْ، وَ قَبُولُهُمْ، وَلینُهُمْ، وَ حُجَّتُهُمْ، فَإِنَّ التَّبَرُّمَ وَ الْعِزَّ وَ النَّخْوَةَ مِنْ كَثیرٍ مِنَ الْكُتَّابِ، إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ. وَ لَیْسَ لِلنَّاسِ بُدٌّ مِنْ طَلَبِ حَاجَاتِهِمْ[126]، وَ مَهْمَا كَانَ فی عُمَّالِكَ[127] مِنْ عَیْبٍ فَتَغَابَیْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ. ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِی الصِّنَاعَاتِ وَ أَوْصِ بِهِمْ خَیْراً، الْمُقیمُ مِنْهُمْ، وَ الْمُضْطَرِبُ بِمَالِهِ، وَ الْمُتَرَفِّقُ بِبَدَنِهِ، فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَ أَسْبَابُ الْمَرَافِقِ، وَ جُلاَّبُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَ الْمَطَارِحِ، فی بَرِّكَ وَ بَحْرِكَ، وَ سَهْلِكَ وَ جَبَلِكَ، حَیْثُ لاَ یَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا، وَ لاَ یَجْتَرِؤُونَ عَلَیْهَا. فَاحْفَظْ حُرْمَتَهُمْ، وَ آمِنْ سُبُلَهُمْ، وَ خُذْ لَهُمْ بِحُقُوقِهِمْ[128]، فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لاَ تُخَافُ بَائِقَتُهُ، وَ صُلْحٌ لاَ تُخْشی غَائِلَتُهُ. وَ تَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ، وَ فی حَوَاشی بِلاَدِكَ. وَ اعْلَمْ، مَعَ ذَلِكَ، أَنَّ فی كَثیرٍ مِنْهُمْ ضیقاً فَاحِشاً، وَ شُحاً قَبیحاً، وَ احْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ، وَ تَحَكُّماً فِی الْبِیَاعَاتِ، وَ ذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ، وَ عَیْبٌ عَلَی الْوُلاَةِ، فَامْنَعْ مِنَ الاِحْتِكَارِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مَنَعَ مِنْهُ. وَ لْیَكُنِ الْبَیْعُ بَیْعاً سَمْحاً، بِمَوَازینِ عَدْلٍ، وَ أَسْعَارٍ لاَ تُجْحِفُ بِالْفَریقَیْنِ: مِنَ الْبَائِعِ وَ الْمُبْتَاعِ. فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْیِكَ إِیَّاهُ، فَنَكِّلْ بِهِ وَ عَاقِبْهُ مِنْ غَیْرِ إِسْرَافٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ[129]. ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِی الطَّبَقَةِ السُّفْلی مِنَ الَّذینَ لاَ حیلَةَ لَهُمْ، مِنَ الْمَسَاكینَ، وَ الْمُحْتَاجینَ، وَ أَهْلِ الْبُؤْسی وَ الزَّمْنی، فَإِنَّ فی هذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَ مُعْتَرّاً. وَ احْفَظْ للَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فیهِمْ[130]، وَ اجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَیْتِ مَالِكَ، وَ قِسْماً مِنْ غَلاَّتِ صَوَافِی الإِسْلاَمِ فی كُلِّ بَلَدٍ، فَإِنَّ لِلأَقْصی مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذی لِلأَدْنی، وَ كُلٌّ قَدِ اسْتُرْعیتَ حَقَّهُ. [صفحه 934] فَلاَ یَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ، فَإِنَّكَ لاَ تُعْذَرُ بَتَضْییعِكَ الصَّغیرَ[131] التَّافِهَ لإِحْكَامِكَ الْكَثیرَ الْمُهِمَّ. فَلاَ تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ، وَ لاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ، وَ تَوَاضَعْ للَّهِ سُبْحَانَهُ الَّذی رَفَعَكَ، وَ اخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلضُّعَفَاءِ[132]، وَ تَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لاَ یَصِلُ إِلَیْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُیُونُ، وَ تَحْقِرُهُ الرِّجَالُ. فَفَرِّغْ لأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْیَةِ وَ التَّوَاضُعِ، مِمَّنْ لاَ یَحْتَقِرُ الضُّعَفَاءَ، وَ لاَ یَسْتَشْرِفُ الْعُظَمَاءَ[133]، فَلْیَرْفَعْ إِلَیْكَ أُمُورَهُمْ، ثُمَّ اعْمَلْ فیهِمْ بِالاِعْذَارِ إِلَی اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالی یَوْمَ تَلْقَاهُ، فَإِنَّ هؤُلاَءِ مِنْ بَیْنِ الرَّعِیَّةِ أَحْوَجُ إِلَی الاِنْصَافِ وَ التَّعَاهُدِ[134] مِنْ غَیْرِهِمْ. وَ كُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَی اللَّهِ تَعَالی فی تَأْدِیَةِ حَقِّهِ إِلَیْهِ. وَ تَعَهَّدْ أَهْلَ الْیُتْمِ وَ الزَّمَانَةِ[135]، وَ ذَوِی الرِّقَّةِ فِی السِّنِّ، مِمَّنْ لاَ حیلَةَ لَهُ، وَ لاَ یَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ، فَأَجْرِ لَهُمْ أَرْزَاقاً. فَإِنَّهُمْ عِبَادُ اللَّهِ، فَتَقَرَّبْ إِلَی اللَّهِ بِتَخَلُّصِهِمْ، وَ وَضْعِهِمْ مَوَاضِعَهُمْ فی أَقْوَاتِهِمْ وَ حُقُوقِهِمْ. فَإِنَّ الأَعْمَالَ إِنَّمَا تَخْلُصُ بِصِدْقِ النِّیَّاتِ. ثُمَّ إِنَّهُ لاَ تَسْكُنُ نُفُوسُ النَّاسِ أَوْ بَعْضِهِمْ إِلی أَنَّكَ قَدْ قَضَیْتَ حُقُوقَهُمْ بِظَهْرِ الْغَیْبِ دُونَ مُشَافَهَتِكَ بِالْحَاجَاتِ[136]، وَ ذَلِكَ عَلَی الْوُلاَةِ ثَقیلٌ، وَ الْحَقُّ كُلُّهُ ثَقیلٌ، وَ قَدْ یُخَفِّفُهُ اللَّهُ تَعَالی عَلی أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَ وَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ[137]. فَكُنْ مِنْهُمْ وَ اسْتَعِنْ بِاللَّهِ[138]. وَ اجْعَلْ لِذَوِی الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فیهِ شَخْصَكَ وَ ذِهْنَكَ مِنْ كُلِّ شُغْلٍ، ثُمَّ تَأْذَنُ لَهُمْ عَلَیْكَ[139]، وَ تَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فیهِ للَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذی خَلَقَكَ[140]، وَ تُقْعِدُ [صفحه 935] عَنْهُمْ[141] جُنْدَكَ وَ أَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَ شُرَطِكَ. تَخْفِضُ لَهُمْ فی مَجْلِسِكَ ذَلِكَ جَنَاحَكَ، وَ تُلَیِّنُ لَهُمْ كَنَفَكَ فی مُرَاجَعَتِكَ وَ وَجْهَكَ[142]، حَتَّی یُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَیْرَ مُتَتَعْتِعٍ. فَإِنّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ یَقُولُ فی غَیْرِ مَوْطِنٍ: لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ یُؤْخَذُ لِلضَّعیفِ فیهَا حَقَّهُ مِنَ الْقَوِیِّ غَیْرَ مُتَتَعْتِعٍ. ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَ الْعِیَّ، وَ نَحِّ عَنْهُمُ[143] الضّیقَ وَ الأَنَفَ یَبْسُطِ اللَّهُ عَلَیْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ، وَ یُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ. وَ أَعْطِ مَا أَعْطَیْتَ هَنیئاً، وَ امْنَعْ[144] فی إِجْمَالٍ وَ إِعْذَارٍ، وَ تَوَاضَعْ هُنَاكَ فَإِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَوَاضِعینَ. وَ لْیَكُنْ أَكْرَمُ أَعْوَانِكَ عَلَیْكَ وَ أَحْظَا [ هُمْ ] عِنْدَكَ، أَلْیَنَهُمْ جَانِباً، وَ أَحْسَنَهُمْ مُرَاجَعَةً، وَ أَلْطَفَهُمْ بِالضُّعَفَاءِ، وَ أَعْمَلَهُمْ بِالْحَق. إِنْ شَاءَ اللَّهُ[145]. ثُمَّ إِنَّ[146] أُمُوراً مِنْ أُمُورِكَ لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا: مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا یَعْیَا عَنْهُ كُتَّابُكَ. وَ مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ یَوْمَ[147] وُرُودِهَا عَلَیْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورَ أَعْوَانِكَ. وَ مِنْهَا مَعْرِفَةُ مَا یَصِلُ إِلَی الْكُتَّابِ وَ الْخُزَّانِ مِمَّا تَحْتَ أَیْدیهِمْ. فَلاَ تَتَوَانَ فیمَا هُنَالِكَ، وَ لاَ تَغْتَنِمْ تَأْخیرَهُ. وَ اجْعَلْ لِكُلِّ أَمْرٍ مِنْهَا مَنْ یُنَاظِرُ فیهِ وُلاَتَهُ بِتَفْریغٍ لِقَلْبِكَ وَ هَمِّكَ، فَكُلَّمَا أَمْضَیْتَ أَمْراً فَأَمْضِهِ بَعْدَ التَّرْوِیَةِ، وَ مُرَاجَعَةِ نَفْسِكَ وَ مُشَاوَرَةِ وَلِیِّ ذَلِكَ، بِغَیْرِ احْتِشَامٍ وَ لاَ رَأْیٍ یُكْتَسَبُ بِهِ عَلَیْكَ نَقیضُهُ. وَ لاَ تُؤَخِّرْ عَمَلَ یَوْمٍ إِلی غَدٍ[148]. [صفحه 936] وَ أَمْضِ لِكُلِّ یَوْمٍ عَمَلَهُ، فَإِنَّ لِكُلِّ یَوْمٍ مَّا فیهِ. وَ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فیمَا بَیْنَكَ وَ بَیْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ[149] تَعَالی أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقیتِ، وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الأَقْسَامِ، وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا للَّهِ تَعَالی إِذَا صَلُحَتْ فیهَا النِّیَّةُ، وَ سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِیَّةُ. وَ لْیَكُنْ فی خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ للَّهِ بِهِ دینَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتی هِیَ لَهُ خَاصَّةً، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ النَّافِلَةَ لِنَبِیِّهِ خَاصَّةً دُونَ [ سَائِرِ ] خَلْفِهِ، فَقَالَ: وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسی أَنْ یَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً[150]. فَذَلِكَ أَمْرٌ اخْتَصَّ اللَّهُ بِهِ نَبِیَّهُ وَ أَكْرَمَهُ بِهِ، لَیْسَ لأَحَدٍ سِوَاهُ، وَ هُوَ لِمَنْ سِوَاهُ تَطَوُّعٌ، فَإِنَّهُ یَقُولُ: وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَیْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلیمٌ[151]. فَأَعْطِ اللَّهَ مِنْ بَدَنِكَ فی لَیْلِكَ وَ نَهَارِكَ مَا یَجِبُ[152]، وَ وَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَی اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ كَامِلاً غَیْرَ مَثْلُومٍ وَ لاَ مَنْقُوصٍ، بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ. وَ إِذَا قُمْتَ فی صَلاَتِكَ لِلنَّاسِ، فَلاَ تُطَوِّلَنَّ، وَ لاَ[153] تَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَ لاَ مُضَیِّعاً، فَإِنَّ فِی النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَ لَهُ الْحَاجَةُ. وَ قَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ حینَ وَجَّهَنی إِلَی الْیَمَنِ: كَیْفَ أُصَلّی بِهِمْ؟. فَقَالَ: صَلِّ بِهِمْ كَصَلاَةِ أَضْعَفِهِمْ، وَ كُنْ بِالْمُؤْمِنینَ رَحیماً. وَ أَمَّا بَعْدَ هذَا، فَلاَ تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ[154] عَنْ رَعِیَّتِكَ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلاَةِ عَنِ الرَّعِیَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضّیقِ، وَ قِلَّةُ عِلْمٍ بِالأُمُورِ. وَ الاِحْتِجَابُ مِنْهُمْ یَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ، فَیَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبیرُ، وَ یَعْظُمُ الصَّغیرُ، وَ یَقْبُحُ الْحَسَنُ، وَ یَحْسُنُ الْقَبیحُ، وَ یُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ. وَ إِنَّمَا الْوَالی بَشَرٌ لاَ یَعْرِفُ مَا تَوَاری عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الأُمُورِ، وَ لَیْسَتْ عَلَی الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ. [صفحه 937] فَتَحَصَّنْ مِنَ الاِدْخَالِ فِی الْحُقُوقِ بِلِینِ الْحِجَابِ، فَ[155] إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَیْنِ: إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِی الْحَقِّ، فَفیمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطیهِ، أَوْ فِعْلٍ كَریمٍ تُسْدیهِ؟. أَوْ مُبْتَلیً بِالْمَنْعِ، فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَیِسُوا مِنْ بَذْلِكَ. مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَیْكَ مِمَّا لاَ مَؤُونَةَ فیهِ عَلَیْكَ، مِنْ شَكَاةِ مَظْلَمَةٍ، أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فی مُعَامَلَةٍ. فَانْتَفِعْ بِمَا وَصَفْتُ لَكَ، وَ اقْتَصِرْ عَلی حَظِّكَ وَ رُشْدِكَ. إِنْ شَاءَ اللَّهُ[156]. ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالی[157] خَاصَّةً وَ بِطَانَةً فیهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَ تَطَاوُلٌ، وَ قِلَّةُ إِنْصَافٍ فی مُعَامَلَةٍ، فَاحْسِمْ مَادَّةَ[158] أُولئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الأَحْوَالِ. وَ لاَ تَقْطَعَنَّ لأَحَدٍ مِنْ حَاشِیَتِكَ[159] وَ حَامَّتِكَ قَطیعَةً، وَ لاَ یَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِی اعْتِقَادِ عُقْدَةٍ تَضُرُّ بِمَنْ یَلیهَا مِنَ النَّاسِ، فی شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ یَحْمِلُونَ مَؤْونَتَهُ عَلی غَیْرِهِمْ، فَیَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ، وَ عَیْبُهُ عَلَیْكَ فِی الدُّنْیَا وَ الآخِرَةِ. عَلَیْكَ بِالْعَدْلِ فی حُكْمِكَ إِذَا انْتَهَتِ الأُمُورُ إِلَیْكَ[160]، وَ أَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَریبِ وَ الْبَعیدِ، وَ كُنْ فی ذَلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً، وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَ خَوَاصِّكَ[161] حَیْثُ وَقَعَ. وَ ابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا یَثْقُلُ عَلَیْكَ مِنْهُ، فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذَلِكَ مَحْمُودَةٌ. وَ إِنْ ظَنَّتِ الرَّعِیَّةُ بِكَ حَیْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ، وَ اعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ، فَإِنَّ فی ذَلِكَ رِیَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ، وَ رِفْقاً بِرَعِیَّتِكَ، وَ إِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْویمِهِمْ عَلَی الْحَقِّ فی خَفْضٍ [صفحه 938] وَ إِجْمَالٍ[162]. وَ لاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَیْهِ عَدُوُّكَ وَ للَّهِ فیهِ رِضیً، فَإِنَّ فِی الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ، وَ رَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ، وَ أَمْناً لِبِلاَدِكَ. وَ لكِنَّ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِیَتَغَفَّلَ. فَخُذْ بِالْحَزْمِ، وَ اتَّهِمْ فی ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ، وَ تَحَصَّنْ كُلَّ مَخُوفٍ تُؤْتی مِنْهُ، وَ بِاللَّهِ الثِّقَةُ فی جَمیعِ الأُمُورِ[163]. وَ إِنْ عَقَدْتَ بَیْنَكَ وَ بَیْنَ عَدُوٍّ لَكَ عُقْدَةً، أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً، فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ، وَ ارْعَ ذِمَّتَكَ بِالأَمَانَةِ وَ الصِّدْقِ[164]. وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَیْتَ مِنْ عَهْدِكَ[165]، فَإِنَّهُ لَیْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ شَیْ ءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَیْهِ اجْتِمَاعاً، مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ، وَ تَشَتُّتِ آرَائِهِمْ[166]، مِنْ تَعْظیمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ. وَ قَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فیمَا بَیْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمینَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ. فَلاَ تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ، وَ لاَ تَخیسَنَّ بِعَهْدِكَ، وَ لاَ تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ، فَإِنَّهُ لاَ یَجْتَرِئُ عَلَی اللَّهِ إِلاَّ جَاهِلٌ شَقِیٌّ. وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ[167] عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَیْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ، وَ حَریماً یَسْكُنُونَ إِلی مَنْعَتِهِ، وَ یَسْتَفیضُونَ إِلی جِوَارِهِ، فَلاَ إِدْغَالَ وَ لاَ مُدَالَسَةَ وَ لاَ خِدَاعَ فیهِ. وَ لاَ تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ[168] فیهِ الْعِلَلَ، وَ لاَ تُعَوِّلَنَّ عَلی لَحْنِ الْقَوْلِ بَعْدَ التَّوْكیدِ وَ التَّوْثِقَةِ. وَ لاَ یَدْعُوَنَّكَ ضیقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فیهِ عَهْدُ اللَّهِ، إِلی طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَیْرِ الْحَقِّ، فَإِنَّ صَبْرَكَ [صفحه 939] عَلی ضیقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَ فَضْلَ عَاقِبَتِهِ، خَیْرٌ لَكَ[169] مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ، وَ أَنْ تُحیطَ بِكَ فیهِ مِنَ اللَّهِ طِلْبَةٌ لاَ تَسْتَقْبِلُ[170] فیهَا دُنْیَاكَ وَ لاَ آخِرَتَكَ. وَ قَدْ كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ سُنَنٌ فِی الْمُشْرِكینَ، وَ مِنَّا بَعْدَهُ سُنَنٌ، قَدْ جَرَتْ بِهَا سُنَنٌ وَ أَمْثَالٌ فِی الظَّالِمینَ وَ مَنْ تَوَجَّهَ قِبْلَتَنَا وَ تَسَمَّی بِدینِنَا، فَسِرْفی عَدُوِّكَ بِمِثْلِ مَا شَاهَدْتَ مِنَّا فی مِثْلِهِمْ مِنَ الأَعْدَاءِ. وَ وَاتِرْ إِلَیْنَا الْكُتُبَ بِالإِخْبَارِ بِكُلِّ حَدَثٍ، یَأْتِكَ مِنَّا أَمْرٌ عَامٌّ. وَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ[171]. وَ إِیَّاكَ وَ الدِّمَاءَ وَ سَفْكَهَا بِغَیْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَیْسَ شَیْ ءٌ أَدْعی لِنَقْمَةٍ، وَ لاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ، وَ لاَ أَحْری بِزَوَالِ نِعْمَةٍ، وَ انْقِطَاعِ مُدَّةٍ، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَیْرِ حَقِّهَا. وَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَیْنَ الْعِبَادِ، فیمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ. فَلاَ تُقَوِّیَنَّ[172] سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا یُضْعِفُهُ وَ یُوهِنُهُ، بَلْ یُزیلُهُ وَ یَنْقُلُهُ. فَإِیَّاكَ وَ التَّعَرُّضَ لِسَخَطِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لِوَلِیِّ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً سُلْطَاناً، قَالَ اللَّهُ: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِیِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً[173]. وَ لاَ عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ وَ لاَ عِنْدی فی قَتْلِ الْعَمْدِ، لأَنَّ فیهِ قَوَدَ الْبَدَنِ. وَ إِنِ ابْتُلیتَ بِخَطَأٍ وَ أَفْرَطَ عَلَیْكَ سَوْطُكَ أَوْ یَدُكَ بِعُقُوبَةٍ، فَإِنَّ فِی الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً. فَلاَ تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّیَ إِلی أَوْلِیَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ دِیَةً مُسَلَّمَةً یُتَقَرَّبُ [ بِهَا ] إِلَی اللَّهِ زُلْفی[174]. وَ إِیَّاكَ وَ الاِعْجَابَ بِنَفْسِكَ، وَ الثِّقَةَ بِمَا یُعْجِبُكَ مِنْهَا، وَ حُبَّ الاِطْرَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّیْطَانِ فی نَفْسِهِ لِیَمْحَقَ مَا یَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنینَ. وَ إِیَّاكَ وَ الْمَنَّ عَلی رَعِیَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ، أَوِ التَّزَیُّدَ فیمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ، أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ، فَإِنَّ الْمَنَّ یُبْطِلُ الاِحْسَانَ، وَ التَّزَیُّدَ یَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ، وَ الْخُلْفَ یُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ [صفحه 940] اللَّهِ وَ النَّاسِ، وَ قَدْ[175] قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالی: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ[176]. وَ إِیَّاكَ وَ الْعَجَلَةَ بِالأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا، أَوِ التَّسَاقُطَ[177] فیهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا، أَوِ اللَّجَاجَةَ فیهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ، أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ، فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ، وَ أَوْقِعْ كُلَّ عَمَلٍ مَوْقِعَهُ. وَ اِیَّاكَ وَ الاِسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فیهِ إِسْوَةٌ، وَ التَّغَابِیَ عَمَّا تُعْنی بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُیُونِ[178]، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَیْرِكَ. وَ عَمَّا قَلیلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِیَةُ الأُمُورِ، وَ یَبْرُزُ الْجَبَّارُ بِعَظَمَتِهِ[179] وَ یَنْتَصِفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ[180]. إِمْلِكْ حَمِیَّةَ أَنْفِكَ، وَ سَوْرَةَ حَدِّكَ، وَ سَطْوَةَ یَدِكَ، وَ غَرْبَ لِسَانِكَ، وَ احْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ، وَ تَأْخیرِ السَّطْوَةِ. وَ ارْفَعْ بَصَرَكَ إِلَی السَّمَاءِ عِنْدَمَا یَحْضُرُكَ مِنْهُ شَیْ ءٌ[181] حَتَّی یَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الاِخْتِیَارَ. وَ لَنْ تُحْكِمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّی تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلی رَبِّكَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جُمِعَ لَكَ فی هذَا الْعَهْدِ مِنْ صُنُوفِ مَا لَمْ آلُكَ فیهِ رُشْداً إِنْ أَحَبَّ اللَّهُ إِرْشَادَكَ وَ تَوْفیقَكَ[182]. وَ الْوَاجِبُ عَلَیْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضی لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ، أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ، أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِیِّنَا صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، أَوْ فَریضَةٍ فی كِتَابِ اللَّهِ، فَتَقْتَدِیَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فیهَا، وَ تَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِی اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَیْكَ فی عَهْدی هذَا، وَ فیمَا[183] اسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسی عَلَیْكَ، لِكَیْلاَ تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلی هَوَاهَا، فَلَنْ یَعْصِمَ مِنَ السُّوءِ، وَ لاَ یُوَفِّقَ لِلْخَیْرِ، إِلاَّ اللَّهُ تَعَالی. [صفحه 941] وَ قَدْ كَانَ مِمَّا عَهِدَ إِلَیَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فی وَصَایَاهِ تَحْضیضاً عَلَی الصَّلاَةِ وَ الزَّكَاةِ وَ مَا مَلَكَتْ أَیْمَانُكُمْ، فَبِذَلِكَ أَخْتِمُ لَكَ مَا عَهِدْتُ إلَیْكَ، وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِیِّ الْعَظیمِ. وَ أَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالی بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ، وَ عَظیمِ قُدْرَتِهِ عَلی إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ، أَنْ یُوَفِّقَنی وَ إِیَّاكَ لِمَا فیهِ رِضَاهُ مِنَ الاِقَامَةِ عَلَی الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَیْهِ وَ إِلی خَلْقِهِ، مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِی الْعِبَادِ، وَ جَمیلِ الأَثَرِ فِی الْبِلاَدِ، وَ تَمَامِ النِّعْمَةِ، وَ تَضْعیفِ الْكَرَامَةِ، وَ أَنْ یَخْتِمَ لی وَ لَكَ بِالسَّعَادَةِ وَ الشَّهَادَةِ إِنَّا إِلَیْهِ رَاغِبُونَ. وَ السَّلاَمُ عَلی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ الطَّیِّبینَ الطَّاهِرینَ وَ سَلَّمَ تَسْلیماً كَثیراً. [صفحه 942]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحیمِ هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِیٌّ أَمیرُ الْمُؤْمِنینَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الأَشْتَرَ فی عَهْدِهِ إِلَیْهِ حینَ وَلاَّهُ مِصْرَ: جَبْوَةَ[1] خَرَاجِهَا، وَ جِهَادَ عَدُوِّهَا، وَ اسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا[2]، وَ عِمَارَةَ بِلاَدِهَا.
صفحه 918، 919، 920، 921، 922، 923، 924، 925، 926، 927، 928، 929، 930، 931، 932، 933، 934، 935، 936، 937، 938، 939، 940، 941، 942.
و نسخة الأسترابادی ص 466. و نسخة العطاردی 375. و كنز العمال ج 13 ص 185. و نهج السعادة ج 5 ص 55 و 110.